كشف البيان حول أزمة بابا الفاتيكان
خالد سعود البليــهد
لقد ساءني وساء كل مسلم ما صدر من بابا الفاتيكان من إساءة للإسلام, ونبي الرحمة وقد قوبل ذلك بردود غاضبة من المسلمين على اختلاف طبقاتهم, وهى تدل على غيرتهم وحبهم لدينهم وتعظيمهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام وقد اختلف الخطاب في الرد ,وتنوع في الأسلوب حسب اختلاف المدرسة الفكرية والمذاهب, والتأصيل العلمي وهذه تنبيهات حول هذه القضية الخطيرة بياناً للحق وكشفاً للمشتبه ووضع الأمور في نصابها:
الأول: ليس بغريب أن يصدر هذا التهجم والبغي من رئيس النصارى, والنصارى معروف عنهم الكذب والجحود وإلباس الحق بالباطل وتزوير الحقائق, والإساءة لخصومهم, قال تعالى " ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم"
قال تعالى " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا"
قال تعالى" وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى "
قال تعالى " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه"
قال تعالى "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من أنفسهم"
والأصل في تصرفات النصارى ومعاملتهم للمسلمين الافتراء وكتم الحق والازدراء بهم والظلم وهضم الحقوق, ومن خالف ذلك منهم فنادر خارج عن الأصل, ولهذا يخطئ كثيراً من يحسن الظن بهم ويوادهم ويلتمس لهم المعاذير ويثنى عليهم, وإنما تحسن أخلاقهم إذا تحققت مصالحهم ومكاسبهم المادية.
الثاني: القتال للأعداء وسيلة مشروعة في الإسلام وهى من محاسن هذا الدين وكماله, ودليل على عزة الإسلام وأهله, وهو ثابت بنوعيه قتال الطلب وقتال الدفع, وإنما شرع قتال الطلب لإعلاء كلمة الله وتحرير الخلق عن الظلم وإزالة العوائق عن معرفة الحق وإتباعه, ولم يشرع لاستعباد الناس وإكراههم على الدخول في الدين قال تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى تعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ولاشك أن الإسلام انتشر في كثير من الأصقاع بالقتال والتاريخ شاهد بهذا كما انه انتشر أيضاً في البلاد الأخرى بالدعوة إلى الله ولا ينكر هذا إلا مكابر أو جاهل, ومما يؤسف له أن بعض المنتسبين للعلم والدعوة ينكرون قتال الطلب ويزعمون أن القتال لم يشرع إلا للدفاع عن بلاد المسلمين ويظنون أن إثبات ذلك يسيء للإسلام وهم بذلك متأثرون بأطروحات المستشرقين وأتباعهم من تلاميذ المدرسة العقلية.
الثالث: ما حصل من البابا دليل صريح على فشل مشروع الحوار بين الإسلام والنصرانية, والدعوة إلى تقارب الأديان، ودعوى الحوار بين الأديان عمل باطل لا أصل له في الشرع وهو ممتنع شرعًا وواقعًا, وقام منذ عدة عقود ولم يثمر شيئاً وهو يتضمن إبطال أصل الولاء والبراء ويقتضى المداهنة ولم يرد به الشرع ولم يفعله رسولنا الكريم ولا خلفاءه الراشدون ولا الأئمة المتبوعين وليس بيننا وبين النصارى أصول أو نقاط التقاء حتى يتفق عليها ،وقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوتهم يتمثل في الأمور التالية:
(1) الكتابة لرؤساء النصارى وعرض الإسلام عليهم.
(2) دعوة النصارى لمناظرتهم وجدالهم بالتي هي أحسن.
(3) طلب مباهلتهم.
قال تعالى " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون الله " وقال تعالى" ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن"
وبهذا نعرف خطأ بعض المفكرين في ردودهم من إثارة الحوار والتباكي عليه والسعي لتحقيقه.
الرابع: حقق الإسلام العدل في حربه مع خصومه, وذلك أنه حينما شرع القتال وضع له آدابا وضوابطاً وإجراءات تهذبه وترقى به عن الوحشية تتمثل في الأمور الآتية :
(1) يقسم الكفار إلى قسمين: 1- محاربين, 2- مسالمين , فالأول يشرع قتالهم والثاني لا يشرع قتالهم سواء كانوا من أهل الذمة أو من أهل الصلح والهدنة.
(2) تخيير العدو عند قتاله إلى خصال ثلاث إما الإسلام أو الجزية أو القتال.
(3) عدم إكراه العدو على الدخول في الإسلام.
(4) احترام وتعظيم الصلح والذمة والهدنة , وعدم التعرض لدماء أهل الذمة وأموالهم وليس في شيء من الأديان الأخرى ما في الإسلام من تعظيم أهل الذمة ووضع الحقوق لهم وعليهم
(5) النهى عن قتل غير المقاتلين والشيوخ والنساء والأولاد و والنهى عن تخريب الديار والأموال , والنهى عن تمثيل بالمقاتلين إلا على سبيل المكافأة.
(6) النهى عن استباحة البلاد والعباد حين الانتصار بل يلزم الكف مباشرة إذا صالح العدو أو دخل في الإسلام.
(7) الكف عن الخصم في ساحة المعركة إذا أظهر الإسلام ونطق بالشهادتين, وعدم التعرض له مهما فعل من الجنايات ويعصم دمه وماله.
(
إذا حصل من العدو خيانة أو هم بخيانة وقرر إجلاؤه أمهل فترة من الزمن لإجلائه ليجمع ماله ويهيئ أمره ولم يؤمر بالجلاء في الحال.
(9) إذا حصل نقض للعهد من بعض النصارى ولم يتواطأ الجميع عليه, لم يقاتلوا ويؤخذوا جميعاً بجريرة بعضهم بل يعاقب من حصل منه ذلك, كما أفتى بذلك العلماء في نصارى طرسوس ونصارى قبرص, ونصارى جبل لبنان والشواهد كثيرة في التاريخ.
(10) الالتزام بالعهود والمواثيق في الحرب والنهى عن الغدر مهما كان العدو.
(11) استقبال المستأمن وتعظيم حرمته مهما كان وإكرامه وحمايته حتى يرحل.
(12) مشروعيه الجوار من كل مسلم ولو كان المجير امرأة وتعظيم حرمة من أجاره المسلم وعدم التعرض له.
وغير ذلك من الآداب العظيمة والأخلاق العالية التي دل الشرع عليها ، وشرح ذلك يطول ليس هذا محله.
وقد تخلق بهذا الولاة والقادة والعلماء فضربوا أروع الأمثلة في العدل والإنصاف مع خصومهم خصوصاً في الصدر الأول من الإسلام فصار لهم عظيم الأثر في البلاد والعباد, وقد نعم بذلك النصارى في كثير من البلدان, وكانوا يخضعون لحكم الإسلام زماناً طويلاً آمنين مطمئنين يبذلون الجزية مقابل حفظ حقوقهم وأموالهم ، وقد آثروا بقاء حكم المسلمين في بلادهم لعدلهم ومساواتهم بغيرهم بل دلت الوقائع على أن بعض النصارى كانوا يستغيثون بالمسلمين ليخلصوهم من ظلم الطائفة الأخرى بين جنسهم, وآخرون من النصارى كانوا يثقون بالمسلمين في عهودهم وصلحهم وهدنتهم من ترك القتال ويتبادلون المصالح معهم, والتاريخ زاخر بهذا كله, والنصارى على خلاف ذلك عرفوا في كثير من حروبهم ووقائعهم بالظلم والتعدي والوحشية , ولا ينس التاريخ أبدًا جنايته محاكم التفتيش في الأندلس وغيرها.
وان المرء ليعجب أشد العجب مما يدعيه بعض المسلمين في كون البابا بجهل شرائع الإسلام ولا يعرف حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم, بل كلامه وسياقه صريح في قصد الإساءة للإسلام وأهله ورجل وصل لأعلى المنازل في رئاسة النصرانية يبعد جدا كونه لم يطلع على كتابات المسلمين وكتابهم المقدس لاسيما مع تواجد المسلمين في أوروبا منذ قرون والانفتاح الثقافي بين الشعوب ولكن كما قال الله فيهم (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) وقال عز وجل (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب أذى كثيرًا). أسأل الله أن يعيد للمسلمين عزهم ومجدهم ويكبت عدوهم وينصرهم على من عاداهم ويجعل الذل والصغار على من خالفهم.